منتديات انجلشاوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المنتدى للبيع
الرجاء على من يرغب بالشراء التواصل على الخاص
استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق
Ms.Faten
Ms.Faten
الادارة
الادارة
انثى عدد الرسائل : 2335
العمر : 40
العمل/الترفيه : معلمة لغة انجليزية و مترجمة
المزاج : عال اوى :)
نقاط : 5974
http://englishawe.yoo7.com

ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London Empty ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London

الثلاثاء نوفمبر 15, 2016 8:51 pm

ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London
كان النهار قد انبلج بارداً ورمادياً بشكل يفوق الخيال، عندما انحرف الرجل من طريق يوكون الرئيسي وتسلق الضفة الترابية العالية ، إلى حيث كان ثمة أثر لدرب غير واضح تماماً لقلة المسافرين علية يتجه نحو الشرق عبر غابة كثيفة من أشجار الراتينج .كانت الضفة شديدة الانحدار، مما جعله يتوقف في قمتها لالتقاط أنفاسه، مبرراً هذا الفعل لنفسه بالنظر إلى ساعته، التي كانت تشير إلى التاسعة صباحاً. لم يكن ثمة شمس ولا حتى إشارة على طلوعها قريباً، رغم خلو السماء تماماً من السحاب. كان نهاراً بلا غيوم، رغم ذلك بدت الأشياء وكأنها كانت مغطاة بغشاوة غامضة، أو بستار من العتمة كان يلقي بغلالة من الظلام على وجه النهار، وكل ذلك كان بسبب غياب الشمس. هذه الحقيقة لم تقلق بال الرجل. فقد كان معتاداً على هذا الأمر . لقد مرت علية أيام لم ير فيها وجه الشمس، وكان يعلم بأن أياماً أخر ستمر قبل أن يظهر ذلك الجرم السماوي البهيج، من جهة الجنوب، في قبة السماء، ثم يتراجع فوراً ليتوارى عن الأنظار.

ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London Product_thumbnail
ألقى الرجل نظرة إلى الوراء على طول الطريق الذي جاء منة . كان طريق يوكون يمتد بعرض ميل ، ويختبئ تحت ركام ثلاثة أقدام من الجليد الذي كانت تتراكم فوقه أقدام عديدة من الثلوج . كانت الثلوج ناصعة البياض ، تتدحرج في تموجات ناعمة ، نحو نتوآت الجليد التي كانت قد تكونت سابقاً. شمالاً وجنوباً ، وعلى مد البصر ، لم يكن ثمة شيء غير البياض المطلق ، الذي لم يكن يكدر سطوته غير ، شعرة سوداء رفيعة من أثر بشري ، كانت تتلوى نحو الشمال ، ثم تختفي خلف جزيرة آخري من غابات الراتينج . كان هذا الخط الأسود هو الدرب – الدرب الرئيسية - التي تؤدي إلى الجنوب الذي يبعد مسافة خمسمائة ميل من ممر تشيلكوت ، ومنطقة ديا والبحيرة المالحة ؛ وينطلق من هناك على بعد سبعين ميلاً إلى الشمال من داوسون ، ويستمر مبحراً نحو الشمال على بعد ألف ميل من نولاتو ، ليصل أخيراً إلى سانت مايكل الواقعة على بحر بيرينغ ، لمسافة ألف ميل ونصف ، وربما أكثر.

ولكن كل هذه الأمور، الدرب البعيد الغامض، وغياب الشمس من السماء، والبرد الشديد، وغربة وغموض المشهد كله، لم تفت في عضد الرجل. ولم يكن ذلك بسبب إعتياده الطويل على هذه الحياة ، لقد كان من القادمين الجدد إلى هذه الأرض ، كان " شيكواتاً " كما يقال بلغة هنود المنطقة، وهذا هو شتاءه الأول . مشكلته كانت هي الافتقار إلى الخيال . كان سريعاً ومتحفزاً فيما يخص أمور الحياة ، لكن إهتمامه كان منصباً فقط على الأشياء دون الغوص في المعاني الكامنة وراء هذه الأشياء. وخمسون درجة تحت الصفر ( فهرنهايت – المترجم )لا تعني له غير ثمانون درجة ونيف من الصقيع. ولا تترك لدية هذه الحقيقة سوى انطباع وحيد وهو أن الجو كان بارداً وغير مريح، ولاشيء غير ذلك. أنها لا تقوده إلى التأمل في كونه كائن هش يعتمد وجودة على الحرارة ، والى كون الإنسان بشكل عام مخلوق ضعيف ، غير قادر على العيش إلا في حدود ضيقة من الحرارة والبرودة ؛ ومن هذا المنطلق لم يكن الرجل قادراً على الدخول إلى الميدان التخميني لخلود الإنسان ومكانة في الكون . الخمسون درجة مئوية تحت الصفر لا تعني له سوى قرصه الصقيع المؤذية التي يتوجب علية مواجهتها من خلال استخدام قفازات لليدين، وواقيات للأذن، وأحذية دافئة من الفراء، وجوارب سميكة. خمسون درجة تحت الصفر كانت تعني له على وجه التحديد خمسون درجة تحت الصفر فقط. أما أن يكون هناك شيء آخر غير ذلك، فهذا الشيء لا وجود له في رأسه.

عندما استدار ليواصل المسير ، بصق ، وأفزعه صوت فرقعة انفجارية حادة. ثم بصق ثانية، وثالثة في الهواء، وتفرقع البصاق قبل أن يرتد ويسقط على الثلج. كان يعلم أن اللعاب يفرقع إذا سقط على الثلج، في درجة حرارة خمسين تحت الصفر، ولكن هذا البصاق تفرقع في الهواء. إذن لابد أن تكون درجة الحرارة أدنى من ذلك بكثير. لكنه لا يعرف كم درجة أدنى من ذلك. ولكن درجات الحرارة لا تهم. لقد كان في طريقة للبحث عن الذهب في البقعة القديمة العائدة اليه والواقعة على الفرع الأيسر من نهر هندرسون كريك ، حيث سبقه الرفاق إلى هناك . لقد عبروا الحاجز المحيط بمقاطعة كريك الهندية ، في حين فضل هو سلوك طريقاً ملتوية ؛ للنظر في احتمال حصوله على زنود الخشب في الربيع من جزر يوكون. سيكون في المخيم في الساعة السادسة؛ بعد الظلام بقليل، هذا صحيح، لكن الأصدقاء سيكونون هناك، وستكون النار مشتعلة، والعشاء الساخن جاهزا. وعندما تذكر الطعام ، ضغط بيده على صرة ناتئة تحت سترته. كان قد خبئها تحت قميصه ، بعد أن لفها جيداً بمنديل ووضعها فوق جلدة العاري مباشرة. كان ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على الخبز من التجمد. وابتسم لنفسه بامتنان عندما فكر بشطائر الخبز المغمسة في شحم الخنزير المقدد، والمحتوية على شرائح دسمة من لحم الخنزير المقلي.


اندفع داخلاً وسط أشجار الراتينج الكبيرة وشاهد آثار من ساروا قبلة على الدرب . كانت آثار آخر زلاجة ضعيفة خصوصاً بعد نزول قدم واحد من الثلج فوقها. وشعر بالسعادة لكونه كان يسافر خفيفاً دون زلاجة . في الواقع، لم يكن يحمل معه شيئاً غير طعامه الملفوف بمنديل. لكن شدة البرد أذهلته . واستنتج أن البرودة كانت شديدة حقاً، وراح يفرك أنفه الخدر وعظام خديه بيده المختبئة داخل القفاز. كانت لحيته دافئة، لكن الشعر الموجود على وجهة لم يكن يوفر حماية كافية من البرد لوجنتيه العاليتين وأنفة الناتئ الذي كان يندفع بعدوانية في الهواء الجليدي.


خب في أعقاب الرجل كلب رمادي كبير من كلاب الإسكيمو، حيوان هجين من كلب وذئب، رمادي الشعر يشبه دون فرق واضح أشقائه من الذئاب البرية. كانت معنويات هذا الحيوان هابطة بسبب البرد القارص. لأنه كان يعرف أن الوقت ليس وقتا للسفر. لقد أخبرته غريزته عن البرد بحكاية أكثر صدقاً مما قررته مدارك الرجل. في الواقع، لم تكن البرودة أدنى من خمسين درجة تحت الصفر، بل حتى أدنى من ستين تحت الصفر.لقد كانت خمس وسبعون درجة تحت الصفر. وبما إن نقطة التجمد هي اثنان وثلاثون درجة (فهرنهايت -المترجم) فهذا يعني إن درجة الحرارة كانت أدنى من خمسة وسبعين تحت الصفر بكثير. لم يكن الكلب يعرف شيئا عن المحارير ، وربما لا يوجد في دماغه وعي حاد لمعنى بارد جداً كما هو الحال لدى دماغ الرجل . ولكن الحيوان كان يمتلك غريزته، التي جعلته يشعر بتهديد غامض جعله يستسلم وينسل خلسة في أعقاب الرجل ، متابعاً بشغف كل حركة غير مألوفة من حركاتة ، كما لو أنة كان يتوقع منه البحث عن ملجأ في مكان ما ، أو القيام بإشعال النار. كان الكلب قد تعرف على النار من قبل، وكان يريدها، ولو تعذر علية ذلك فسيحفر حفرة في الثلج ويدس نفسه فيها لينعم بالدفء بعيدا عن الهواء البارد.
كانت رطوبة أنفاسه المتجمدة قد استقرت على فرائه بشكل مسحوق ناعم من الصقيع ، وقد ابيض بخاصة فكيه ، وخطمه ، ورموشه من زفير أنفاسه المتبلرة . وقد تجمد الصقيع على لحية الرجل وشاربيه بنفس الطريقة، لكن بشكل أشد صلابة، وأخذت هذه الحمولة الجليدية، تزداد مع كل نفس من أنفاسه الدافئة المحملة بالرطوبة. كان الرجل يمضغ التبغ أيضاً ، وجعله خطم الجليد المتحجر الذي عقد شفتيه بشكل صارم غير قادر على تحرير ذقنه لكي يبصق . ونمت نتيجة لذلك لحية من الكريستال بلون وصلابة العنبر فوق لحية الرجل ، و كانت تزداد طولاً كلما بصق . ولو كان مقُدراً له أن يسقط لتهشمت تلك اللحية كالزجاج ، ولتحولت إلى مجرد شظايا هشة . لكنه لم يكن يبالي بهذه الاستطالة المتدلية من ذقنه، لأنها كانت عقوبة لكل ماضغي التبغ في ذلك البلد. لقد سبق له أن شهد شتاءين باردين من قبل، لكنهما لم يكونا ببرودة هذا الشتاء. لقد عرف ذلك من خلال محرارة الروحي في سكستي مايل بأن الشتاءين الماضيين كانا قد سُجلا بدرجتي خمسين وخمسة وخمسين تحت الصفر .

واصل السير على الجانب المستوي من أرض الغابة لعدة أميال ، وعبر سهلاً عريضاً مغطى بكتل متشابكة من بقايا الجذور والنباتات ، وهبط أحد الضفاف إلى القاع المتجمد لجدول صغير .كان ذلك جدول هندرسون كريك ،وأدرك بأنة كان يبعد مسافة عشرة أميال عن الجهة التي يتفرع عندها الجدول . تطلع إلى ساعته. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً. إذن كان يسير بسرعة أربعة أميال في الساعة، وحسب أنه سيصل إلى تفرعات الجدول في الثانية عشرة والنصف ظهراً. فقرر الاحتفال بهذا الحدث من خلال تناول غداءه هناك.

تعقب الكلب ،الذي نكّس الوهن ذنبه ،الرجل ثانية ، عندما هبط إلى قاع الجدول. كان الأخدود الذي خلفه مسير الزلاجة على الثلج واضحاً للعيان، لكن عدة بوصات من الثلج كانت قد غطت آثار آخر العابرين. خلال شهر واحد لم يشهد هذا الجدول الصامت قدما إنسان صعوداً أو نزولاً. واصل الرجل المسير باطراد. لم يكن من النوع المعتاد كثيراً على التفكير ، وفي تلك اللحظة بالذات لم يكن يفكر بشيء غير تناول الغداء عندما يصل إلى تفرعات النهر ، وبأنة سيكون في المخيم مع الرجال في الساعة السادسة مساءاً . لم يكن هناك من يتحدث إليه، ولو كان هناك أحد، لكان الحديث معه مستحيلاً بسبب وجود كمامة من الجليد على فمه. لهذا استمر يمضغ التبغ بشكل رتيب ، ويزيد من طول لحيته الكهرمانية اللون .

مرة واحدة في كل حين، كانت تعود إليه نفس فكرة إن الطقس بارد جدا، وبأنه لم يشهد له مثيلاً قط. كان يفرك إثناء سيرة عظام خديه وأنفة بالجزء الخلفي من قفازة السميك بشكل تلقائي، ويغير بين يد وأخرى بين الحين والآخر. لكنة كان يفرك ما شاء له ذلك ، لأنة عندما يتوقف كان الخدر يدب في عظام وجنتيه ، و طرف أنفة. انه واثق من أن خديه سيتجمدان ؛ كان يعرف ذلك وداهمته وخزه من الندم لعدم ابتكاره غطاء للأنف من النوع الذي كان بد يرتديه في الشتاءات الباردة . مثل هذه الأربطة من شأنها تغطية الخدين أيضاً، وحمايتهما من البرد. لكن هذا لا يهم كثيرا، على أي حال، لأنه لن يشعر لو تجمد خداه، إلا بشيء من الألم، فقط، إن مثل هذه الحالات ليست خطرة دوماً.


كان الجدول خاوياً ، كخواء رأس الرجل من الأفكار ، لكنة كان مدركاً تماماً للتغيرات التي كانت تطرأ على سطحه ، وكان يلاحظ بحدة كل المنحنيات والإلتواءات والعقبات ، وينتبه دائما إلى مواطئ قدميه. ومرة ، عندما دار حول أحد المنعطفات ، نفر على نحو مفاجئ ، كما ينفر حصان خائف ، وابتعد بشكل مائل عن المكان الذي كان يسير فيه، متراجعاً إلى الوراء عدة خطوات. كان يعلم بأن الجدول كان متجمدا إلى القاع ، حيث لا يمكن لماء أي جدول أن يبقى على حالة أبداً في ذلك الشتاء القطبي ، لكنه كان يعلم أيضا بوجود ينابيع كانت تخرج من سفوح الجبال وتجري تحت الثلوج وفوق سطح الجدول المتجمد ، ولاستطيع أقسى الشتاءات برودة تجميد هذه الينابيع ، كان يعلم بأنها خطرة جداً . إنها فخاخ مائية تختبئ تحت الثلوج ، قد تكون بعمق ثلاث بوصات ، أو ثلاث أقدام . يغطيها أحيانا جلد رقيق من الجليد بسمك نصف بوصة، يكون بدوره مغطى بالثلوج. وأحيانا توجد هناك طبقات متعاقبة من الماء وقشور الجليد، بحيث لو أن أحداً وقع فيها فسيغطس ويبلل نفسه أحيانا إلى الخصر.
كان ذلك هو سبب تراجعه مذعوراً على هذا النحو. لقد أحس برخاوة القاع تحته وسمع فرقعة قشرة الجليد المغطاة بالثلوج تئز تحت قدميه.إذا تبللت قدماه في مثل هذا الطقس فسيواجه الخطر والمتاعب، أو التأخير، على أقل تقدير، لأنه سيضطر إلى التوقف لإشعال النار، وتحت حمايتها سيعري قدميه لتجفيف حذاءيه وجوربيه. وقف في مكانة وشرع يدرس قاع الجدول وضفتيه، وقرر أن تدفق المياه كان يأتي من الجهة اليمنى. وفكر لحظة، وهو يفرك انفه وخديه، ثم انحرف إلى اليسار، بخطى حذرة، مختبراً طريقة مع كل خطوة. وعندما أصبح بعيداً عن مكمن الخطر، تناول مضغة طازجة من التبغ، وتابع سيرة على طريقة الممتد لمسافة أربعة أميال.
صادف في غضون الساعتين التاليتين ، عدة فخاخ مماثلة. كان يعلم بأن الثلج في مثل هذه الفخاخ يتراكم عادةً فوق برك المياه الخفية ويكون له مظهراً غائراً يعلن بوضوح عن وجود الخطر. وتكرر الأمر نفسه عدة مرات؛ وفي إحدى المرات أجبر الكلب على السير في المقدمة لأنة اشتبه في وجود أحد الفخاخ. لكن الكلب رفض المسير ، ولبث في مكانة ، وبعد أن دفعة الرجل إلى الأمام ، تحرك بسرعة فوق السطح الأبيض الصقيل . وفجأة انخسف السطح، وتهشم جانب منه، لكن الكلب تمكن من الهروب إلى جهة أكثر ثباتا. لقد تبللت قوائمه الخلفية والأمامية، وتحول الماء الذي علق به على الفور تقريبا إلى جليد. و بذل الكلب مجهودا سريعاً للعق الجليد من ساقيه، ثم طرح نفسه على الثلج، وبدأ يقضم الجليد الذي تشكل بين أصابعه. كان يؤدي ذلك بشكل غريزي . لأن بقاء الجليد بين أصابعه يعني قرحة في القدمين. لم يكن الكلب يعلم بذلك . لكنة كان يذعن لتلك الدوافع الغامضة المنطلقة من داخل أقبية كينونته العميقة . ولكن الرجل كان يعلم، بعد أن تحققت لدية حكمة ما بشأن هذا الموضوع، فقام بنزع القفاز من يده اليمنى، وساعد الكلب على انتزاع بلورات الجليد من جسده. ولم يكد يعرض أصابعه إلى الهواء ، حتى دب الخدر إليها . وأذهلته برودة الطقس، فدس يده داخل القفاز على عجل وراح يضرب بها على فخذه بوحشية.

في الساعة الثانية عشرة ظهراً ، وصل ضوء النهار إلى أقصى نقطة من السطوع . ومع ذلك لم تساهم الشمس الغائرة في رحلتها الشتائية جنوبا في إنارة الأفق إلا قليلاً . وقد عزز ذلك ارتفاع الأرض بينها وبين نهر كريك هندرسون ، الذي كان الرجل يسير فوق سطحه المتجمد عند الظهيرة دون أن يلقي ظلالاً حوله. وفي الثانية عشرة والنصف بالضبط ، وصل إلى تفرعات الجدول . وكان مسروراً بالسرعة التي كان يسير بها. وإذا واصل السير على هذا المنوال ، فسيكون بالتأكيد مع الرفاق في المخيم في السادسة مساءاً . فك أزرار سترته وأخرج رزمة الطعام. ولم يستغرق هذا الإجراء أكثر من ربع دقيقة، ولكن ذلك الزمن الوجيز كان كافياً لكي يمسك الخدر بأصابعه المكشوفة. و بدلا من ارتداء القفاز ، ضرب أصابعه بساقه عدة ضربات حادة . ثم جلس على جذع مغطى بالثلوج ليأكل . توقف الوخز فجأة بشكل جعله يجفل ؛ لكنة لم يمنحه الفرصة لتناول قضمة من الخبز . ضرب يده مرة تلو الأخرى بفخذه وأعادها إلى القفاز، وعرى اليد الأخرى ليتناول طعامه. حاول أن يدس في فمه لقمة، لكن كمامة الجليد المحيطة بفيه حالت دون ذلك. لقد نسي أن يشعل ناراً ليذيب الجليد عنه. وقهقه ضاحكاً على حماقته، وعندما قهقه لاحظ بأن الخدر قد بدأ يزحف ثانية إلى أصابعه المكشوفة. ولاحظ كذلك، بأن الوخز الذي داهم أصابع قدميه عندما جلس قد شرع يختفي. وتساءل عما إذا كانت أصابع قدميه دافئة أم خدرة. حركها داخل حذاء الموكاسين وعرف بأنها كانت خدرة .

لبس القفاز على عجل ووقف . كان خائفا قليلا. وأخذ يدق الأرض بقدميه حتى عاد إليهما الإحساس بالوخز . من المؤكد أن الطقس كان بارداً . لقد قال ذلك الرجل القادم من سلفر كريك الحقيقة عندما ذكر بأن الجو يمكن أن يكون بارداً جداً أحياناً في هذه الأصقاع . لقد ضحك عليه في حينها ! لكنة أدرك الآن بأن المرء يجب ألا يكون واثقاً تماماً مما يعتقد. لقد أدرك بشكل لا جدال فيه إن الجو كان بارداً بالتأكيد. وأخذ يخطو خطوات عريضة جيئة وذهاباً، ويضرب الأرض بقدميه ويضرب ذراعية ببعضهما ، حتى اطمئن إلى عودة الدفء إلى جسده . ثم أخرج عيدان ثقاب، وشرع في إشعال النار. استخرج الحطب من ذخيرة من الأغصان الجافة كان فيضان الربيع السابق قد جرفها وكدسها بين الأجمات والشجيرات الصغيرة. و شرع يعالج النار بعناية فائقة مستخدماً الأغصان الصغيرة حتى أصبح لدية الآن موقد مشتعل. أخذ الجليد العالق بوجهة يذوب وشرع بتناول طعامه محتمياً بدفء النار. لقد نجح في الاحتيال على البرد الذي كان يملأ الفضاء من حوله. وإستكن الكلب لدفء النار ، وتمدد على مسافة مناسبة منها ، تسمح له بالاستمتاع يدفئها وفي نفس الوقت تجنبه الاحتراق بلسعها .

عندما انتهى الرجل ، أخرج غليونه وراح يدخن بلذة . ثم لبس قفازيه، وشد واقيات الأذنين في قبعته بإحكام فوق أذنيه، وواصل سيرة فوق الأثر الممتد على الفرع الأيسر من الجدول. شعر الكلب بخيبة أمل ، ومد جسمه بشوق إلى الوراء في اتجاه النار . هذا الرجل لم يكن يعرف معنى البرد. وربما ليس هو وحده، بل كل أسلافه كانوا يجهلون معنى البرد، البرد الحقيقي، برد مائة وسبع درجات تحت الصفر. لكن الكلب كان يعرف ؛ لأنة ورث هذه المعرفة. وكان يعرف أنه ليس من الحكمة أن يمشي المرء في العراء في مثل هذا البرد المخيف. في مثل هذا الوقت ينبغي للمرء أن يستلقي في حفرة في الثلج وينتظر أن تُزاح عباءة الزمهرير هذه من على وجه الفضاء الخارجي الذي ينبعث منة كل هذا البرد القاتل. من ناحية أخرى ، تطورت علاقة حميمة بين الكلب والرجل. لقد كان كلباً من كلاب جر الزلاجات، التي لا تعرف في حياتها غير مداعبات السياط وأصوات الحناجر الخشنة المهددة بالسياط. لذا لم يبذل الكلب أي جهد لإيصال خشيته إلى الرجل . ولم يكن معنياً برفاه الرجل أو سلامته ؛ بل كان يفكر بنفسه فقط عندما مال بجسمه بشوق إلى دفء النار . أخذ الرجل يصفّر، وتحدث إلى الكلب بصوت ذكره بقرع السياط، فنهض الكلب وشرع يسير في أعقابه.


تناول الرجل مضغة من التبغ، وشرع ثانية في تكوين لحية جديدة من الكهرمان. وشرعت أنفاسه الرطبة، أيضا، تنثر البياض بسرعة على شاربه وحاجبيه، ورموشه. لم يكن ثمة الكثير من الينابيع كما يبدو على الفرع الأيسر من جدول هندرسون ، ولمدة نصف ساعة لم يشاهد الرجل أي دلائل على وجود أي منها. ثم حدث ما حدث. في مكان حيث لا توجد علامات على وجود فخاخ الماء الخفية ، وحيث أوحى له الثلج الناعم ، غير المكسور ، بوجود صلابة تحتية ، في ذلك المكان تهشم الجليد تحت قدمي الرجل ، وسقط في الماء. لم تكن الحفرة عميقة، لكنة تبلل إلى ما دون الركبتين. بعد ذلك تمكن من الخروج والوقوف على قدميه فوق القشرة الصلبة .

كان غاضباً ، وشرع يلعن حظه التعس بصوت عال . كان يأمل في الوصول إلى المخيم ليكون مع الرفاق في الساعة السادسة ، لكن وقوعه في هذا الفخ سيؤخره لمدة ساعة كاملة ، لأنه سيكون مجبراً على إشعال النار وتجفيف أحذيته وجواربه. وهذا أمر لا بد منة في ذلك الجو الشديد البرودة، كان يعرف ذلك على الأقل؛ وانحرف جانبا نحو الضفة، وراح يتسلقها. وفي أعلى الضفة، وجد مدخرا من الأخشاب الجافة المندسة، بفعل مياه الفيضان في الربيع، داخل الأجمات الموجودة حول جذوع أشجار الصنوبر الصغيرة. وكان هذا المدخر مؤلفاً أساسا من العصي والأغصان الصغيرة، لكنه كان يحتوي أيضاً على أغصان جافة كبيرة الحجم وأعشاب جافة من بقايا أعشاب العام المنصرم. ألقى الرجل بعدة قطع كبيرة من الخشب على الثلج لتكون أساساً لموقدة يمنع الشعلة الفتية من الانطفاء. وأشعل النار بعود ثقاب حكة بقطعة لحاء جافة خشب البتول أخرجها من جيبه. احترق اللحاء بسرعة وتحول إلى شعلة صغيرة وضعها فوق الأخشاب ، وراح يطعمها بخصلات من الحشائش اليابسة والأغصان الصغيرة الجافة .

أخذ يعمل ببطء وتأن ، بعد أن أدرك تماما طبيعة الخطر المحدق به . وأخذت الشعلة تزداد عنفواناً بالتدريج ، وهو يواصل تغذيتها بمزيد من الأغصان. ثم قرفص في الثلج ، وراح يسحب الأغصان من داخل حزمة الحطب المتراصة ويطعمها مباشرة للنار. كان يعرف بأنه يجب ألا يفشل. فعندما تكون درجة الحرارة خمسة وسبعين تحت الصفر ، يجب على المرء ألا يفشل في محاولته الأولى لإشعال النار ، خصوصاً إذا كان مبتل القدمين. أما إذا كانت قدميه جافتين ، وفشل ، فبإمكانه الركض لمسافة نصف ميل ، ليعيد لهما دورتهما الدموية. لكن الدورة الدموية لقدمين مبتلتين ومتجمدتين لا يمكن استعادتها عن طريق الركض خصوصاً عندما تكون درجة الحرارة خمسة وسبعين تحت الصفر، مهما كانت سرعة الجري ، فإن القدمين المبتلتين ستتجمدان بسرعة أكبر .

كان الرجل يعلم بكل هذا. لقد أخبرة ذلك العجوز القادم من سلفر كريك عن هذا الأمر في الخريف الماضي ، وبدأ يشعر الآن بالامتنان لتلك النصيحة . كان إحساسه بقدميه قد تلاشى بالفعل. ولكي يشعل النار اضطر إلى خلع القفازات ، لكن الخدر دب بسرعة في أصابع يديه. كانت وتيرة سيرة المتمثلة بأربعة أميال في الساعة قد أجبرت قلبه على ضخ الدم إلى جميع أرجاء جسمه بالتساوي . ولكنة في اللحظة التي توقف فيها، انخفضت عملية ضخ الدم. وضرب البرد النازل من الفضاء تلك البقعة المكشوفة من الكوكب التي كان يقرفص فيها ، وأصابته لطمة الصقيع في الصميم ، وأجبرت دمه على التراجع إلى الوراء . كان دمه حياً ، مثل دم الكلب ، ومثل دم الكلب كان يريد الاختباء في مكان بعيد يقيه لمسة ذلك البرد المخيف . كانت وتيرة سيرة المتمثلة بأربعة أميال في الساعة ، قد أجبرت قلبه على ضخ الدم إلى سطح جسده ؛ لكن توقفه جعل الدم ينحسر الآن ويغيب داخل تجاويف جسمه. وأول من شعر بوطأة هذا الغياب كانت أطرافة . فتجمدت القدمان الرطبتان بسرعة ، وداهم الخدر أصابع يديه العارية. وشرع الأنف والخدان بالتجمد ، و داهمت البرودة كل بقعة خالية من الدم في جلدة . لكنه كان آمنا. وفكر إن الصقيع لن يتجاوز أصابع القدمين والأنف والخدين ، لأن النار التي بدأت بالإستعار بقوة ، ستهزمه . وكان يمد النار بأغصان بحجم الإصبع . وبعد قليل سيطعمها بفروع أكبر حجماً ، ليتسنى له نزع أحذيته المبللة، وتجفيفها أمام النار، التي ستحافظ على دفء قدميه العاريتين ، اللتين سيدلكهما بالثلج أولاً. لقد نجح في إشعال النار. وأخذ يشعر بالأمان. ثم تذكر نصيحة العجوز في سلفر كريك ، وابتسم. لقد كان ذلك العجوز جاداً للغاية عندما قال له أنه يجب على المرء ألا يسافر وحده في كلوندايك في درجة خمسين تحت الصفر . حسناً ، هاهو الآن وحدة ، وقد تعرض لحادث لكنة تمكن من إنقاذ نفسه. وفكر بأن بعض أولئك العجائز يفكرون مثل النساء. إن كل ما على المرء فعلة هو البقاء على قيد الحياة ، وهاهو الآن على خير ما يرام . نعم بإمكان أي رجل حقيقي السفر لوحدة. وشعر فجأة بخديه وأنفة يتجمدان بسرعة . وأدهشته السرعة التي غابت فيها الحياة عن أصابع يديه وقدميه. لقد شعر بيديه ميتتين تماماً ، لأنة عجز تقريباً عن تحريكهما للقبض على الأغصان الصغيرة ، وكأنهما كانتا زائدتين متدليتين من جسده ولا تمتان له بأي صلة . فأخذ ينظر إلى ما يمسكه بيده ليتأكد من أنة كان في يده بالفعل، لأن الأسلاك التي كانت تربطه بنهاية أصابعه قد تقطعت تماماً .

لكن كل ذلك لا يهم ، فهاهي النار أمامه ، تفرقع وتطقطق ، و كل لسان من ألسنتها يرقص ويتلوى ويعد بالحياة . وبدأ الرجل بفك شرائط حذائه المغطاة بمعطف من الجليد . كان يرتدي جوارب ألمانية سميكة تحيط بساقية مثل أغماد خناجر حديدية ؛ لكن شرائط حذائه الموكاسين كانت متجمدة وملتوية كقضبان من الفولاذ المعالجة بالنار. حاول في البداية أن يفكها بأصابعه الخدرة ، لكنة أدرك حماقة ذلك ، وسحب سكينة الكبيرة .

و قبل أن يتمكن من قطع الشرائط ، حدث ما لم يكن في الحسبان. كان ذلك تقصيراً منه ، أو بالأحرى ، عدم انتباه. لقد نسى إنه أشعل النار تحت شجرة التنوب. وكان يجب أن يقيمها في العراء. ولكنة وجد إن من السهل علية أن يسحب الأغصان من الأجمة الواقعة تحت الشجرة وإلقائها مباشرة في النار. كانت الشجرة التي أقام موقدة تحتها تنوء بحمولة ثقيلة من الثلوج. ولم تكن الريح قد هبت منذ أسابيع ، و كل غصن من أغصانها كان ينوء بحمولة كاملة من الثلج. وأخذت تسري في الشجرة رجة طفيفة كلما سحب من تحتها غصيناً لإلقائه في النار . كانت تلك الهزات غير مهمة ،حسب رأيه ، لكنها كانت كافية لإحداث الكارثة. دلق في البداية أحد الأغصان العالية حمولته الثلجية. وسقطت هذه الحمولة على الأغصان السفلى ،وأسقطت حمولتها. واستمرت هذه العملية في الانتشار ،حتى عمت الشجرة كلها. لقد نمت تلك العملية كما ينمو انهيار جليدي ، وهبطت الثلوج دون سابق إنذار فوق رأس الرجل وفوق النار وأطفأتها. وتشكل في مكان الاحتراق رفاً من الثلج الطازج المبعثر .

صُدم الرجل، كما لو كان قد سمع تواً حكماً بالإعدام ضده . وجلس للحظة يحدق في البقعة التي كان قد أوقد النار عليها. ثم شعر بهدوء شديد. لعل عجوز سلفر كريك كان على حق. لو كان معه فقط رفيق درب لكان في مأمن من أي خطر الآن. لأن رفيق الدرب يمكن أن يقوم بإيقاد النار. حسناً ، يتعين علية إشعال النار من جديد ، وهذه المرة يجب أن لا يكون هناك أي فشل. حتى لو نجح ، هذه المرة ، فمن المرجح إن سيفقد بعض من أصابع قدميه .لابد إن التجمد في قدميه قد بلغ الآن درجة بالغة الخطورة ، وسيتعين علية الانتظار بعض الوقت قبل أن تكون النار الثانية قد اكتملت .

كانت أفكاره تسير على هذا النحو ، لكنه لم يجلس ويفكر بها. لأنه كان مشغولا طوال الوقت الذي كانت تدور فيه هذه الأفكار في رأسه ،بالإعداد لموقد جديد ، وهذه المرة في العراء ، حيث لا يمكن لأي شجرة غادرة أن تطفئة . بعد ذلك قام بجمع الأعشاب الجافة والأغصان الصغيرة من بقايا النباتات التي جرفتها السيول في الربيع الفائت. لكن أصابعه المتجمدة لم تسعفه إلا في جمع حفنة قليلة من الحطب احتوت على الكثير من الأغصان المتفسخة والطحالب الخضراء التي لم يكن بحاجة إليها ، ولكن ذلك كان أفضل من لاشيء . كان يعمل بشكل منهجي ، وعزل مجموعة من الفروع الكبيرة لاستخدامها في وقت لاحق عندما تدب الحياة في النار. طوال ذلك الوقت كان الكلب جالساً يراقبه، وفي عينية نوع من اللهفة الحزينة . كان ينظر إليه بوصفه صانع النار ، النار التي طال انتظاره لها.

عندما تم إعداد كل شيء ، مد الرجل يده في جيبه لإخراج قطعة ثانية من لحاء البتولا. كان يعرف بأن اللحاء كان هناك ، ورغم انه لم يستطع أن يتحسسه بأصابعه ، إلا إنه سمع خشخشته الهشة وهو يلمسه. وحاول طويلاً الإمساك به ، لكنة فشل. وكان طوال الوقت ، يعلم ، بأن قدميه كانتا تزدادان تجمدا كل لحظة. وأصابته هذه الفكرة بحالة من الذعر ، لكنه قاومها وظل محتفظاً بهدوئه. سحب قفازيه بأسنانه ، وحرك ذراعيه جيئة وذهابا ، وراح يضرب بيديه بكل قوته على فخذية وهو جالس ، ثم وقف مواصلاً القيام بذلك ؛ خلال ذلك كان الكلب يجلس في الثلج ، وذيله الذئبي الكثيف ملتف حول قائمتيه الأماميتين طلباً للدفء ، وأذناه الذئبيتان الحادتان منتصبتان بانتباه شديد وهو يراقب الرجل. وبينما كان الرجل يحرك ذراعيه ويضرب يديه على فخذية ، شعر بموجة عارمة من الحسد لهذا المخلوق الذي كان يجلس دافئا وآمناً داخل فراءه الطبيعي.

وبعد مدة أحس بأولى الإشارات البعيدة لعودة الإحساس لأصابعه المتجمدة. وبدأ الوخز الخفيف يزداد قوة حتى تحول إلى ألم لاذع ومبرح ، لكن الرجل استقبله بارتياح ، وحرر يده اليمنى من القفاز وأخرج لحاء البتولا. لكن الأصابع العارية تخدرت مرة أخرى بسرعة. بعد ذلك اخرج حزمة من عيدان الثقاب. لكن البرد الهائل الذي كان قد أستل الحياة من بين أصابعه ، جعلها غير قادرة على الإمساك بحزمة الثقاب. وعندما حاول جاهداً أن يفصل عود ثقاب واحد عن البقية ، سقطت الحزمة كلها في الثلج. وحاول أالتقاطها من الثلج ، ولكنه فشل . لم يعد بإمكان الأصابع الميتة أن تلمس أو تلتقط أي شيء . كان حذرا جدا. ودفع بعيداً عن رأسه بفكرة تجمد قدميه ، وأنفة وخديه ، وركز كل كيانه على عيدان الثقاب. مستخدماً حاسة البصر بدلا من اللمس ، وعندما رأى أصابعه على جانبي الحزمة ، أغلقها ، يعني ، أراد إغلاقها ، لأن أعصابة كانت متوترة ، لكن الأصابع لم تطعه. سحب القفاز من اليد اليمنى ، وضربها بشدة على ركبته. ثم ، و بكلتا يديه ، داخل القفازين ، غرف حزمة الثقاب ، مع كثير من الثلج ، ووضعها في حضنه. رغم ذلك لم يشعر بتحسن .

بعد معالجة بسيطة ، تمكن من التقاط حزمة الثقاب بكفيه المحشورتين داخل القفازين . وحملها على هذا النحو إلى فمه. وفرقع الجليد متكسراً عندما بذل جهداً عنيفاً لفتح فمه. سحب فكه السفلي إلى الوراء ، وضم شفته العليا إلى الداخل ، وكشط بأسنانه العليا حزمة الثقاب في محاولة لفصل أحد العيدان . ونجح في الحصول على عود ثقاب واحد ، أسقطة في حجره. لكن ذلك لم يغير من وضعة شيئاً. لأنه لم يكن قادراً على التقاطه. ثم ابتكر طريقة التقط بها عود الثقاب بأسنانه وحكة بساقه. حكة عشرون مرة قبل أن ينجح في إشعاله. وعندما التهب ، أمسكه بين أسنانه وقربة من لحاء البتولا. لكن الكبريت المحترق نفذ إلى منخريه ورئتيه ، وسبب له نوبة من السعال المتقطع. فسقط عود الثقاب في الثلج وانطفأ.

وفكر خلال لحظات اليأس المكبوت التي تلت ذلك بأن عجوز سلفر كريك كان على حق ، عندما قال له بأن على المرء أن يسافر مع شريك. ضرب يديه بفخذية ، لكنه فشل في إثارة أي إحساس فيهما. فجأة عرى كلتا يديه ، مزيلاً القفازين بأسنانه. وأمسك بكامل الحزمة بين عقبي يديه. وأعانته عضلات ذراعية التي لم تتجمد في الإمساك بحزمة الثقاب بإحكام. ثم خدش حزمة الثقاب كلها على ساقه واشتعلت النيران في سبعين عوداً من الكبريت دفعة واحدة! لم تكن ثمة ريح لتطفئ اللهب ، وأبعد رأسه جانباً ليكون في مأمن من الأبخرة الخانقة ، وقرب الشعلة من لحاء البتولا. وبينا كان يمسك بها على تلك الصورة ، أدرك وجود إحساس ما في يده. كان لحمه يحترق. وكان يشم رائحته. لقد شعر به في الأعماق الكامنة تحت السطح . وتطور الإحساس إلى ألم أخذ يزداد حدة. لكنة تحمله رغم ذلك ، وظل ممسكاً بالشعلة على نحو أخرق قريباً من اللحاء الذي لم يكن يستجيب للنار بسهولة ، لأن يديه المحترقتين كانتا تقفان حائلاً بينة وبين الشعلة ، مستأثرة بالجزء الأكبر من اللهب.

وأخيراً ، عندما أمسى عاجزاً عن تحمل المزيد ، باعد مابين يديه. وسقطت عيدان الثقاب الملتهبة في الثلج ، ولكن النار أمسكت بلحاء البتولا. وبدأ يغذي الشعلة بالأعشاب الجافة والأغصان الصغيرة. لم يكن بإمكانه الانتقاء والاختيار ، لان علية أن يجمع الحطب بعقبي يديه . كان ثمة قطع صغيرة من الخشب المتعفن والطحالب الخضراء عالقة بالأغصان ، راح يزيلها بأسنانه قدر المستطاع . وأخذ يحرس الشعلة بعناية وعلى نحو أخرق. أنها تعني الحياة ، ويجب ألا تموت. وجعله الآن انسحاب دمه من سطح جسده يبدأ بالارتعاد ، وأصبحت حركاتة أكثر خراقة. وسقطت قطعة كبيرة من الطحالب الخضراء مباشرة على النار الصغيرة. حاول أن يلكزها بأصابعه ، ولكن جسده المرتعش جعل أصابعه تذهب بعيداً جدا ، وتشتت نواة النار الصغيرة، فتناثرت الأعشاب المحترقة والأغصان الصغيرة كل في مكان . حاول مرة ثانية أن يستجمع شظايا النار ، لكن بالرغم من جهده المحموم ، تغلب علية ارتجاف جسده ، وظلت الأغصان متناثرة بشكل ميئوس منه. وانبعثت من كل غصين صغير سحابة صغيرة من الدخان وانطفأ. لقد فشل صانع النار .ثم نظر حوله دون مبالاة ، ووقعت عيناه مصادفة على الكلب . كان الكلب يجلس في الثلج قبالته على الجانب المقابل لبقايا النار ، محركاً ومقوساً جسده على نحو يدل على الضيق ، ورافعاً على نحو طفيف إحدى قائمتيه الأماميتان ثم الأخرى ، وناقلاً وزن جسده بالتناوب فيما بينهما بلهفة حزينة .

دس منظر الكلب بفكرة وحشية في رأس الرجل . وتذكر حكاية الرجل ، الذي داهمته عاصفة ثلجية ، فقتل عجلاً وزحف داخل جثته ، وهكذا أنقذ نفسه من الهلاك. سوف يقتل الكلب ويدفن يديه في جسمه الساخن حتى يغادرهما الخدر. ثم سيتمكن من إشعال نار أخرى . تحدث إلى الكلب ، وناداه ، لكنة سمع رنة غريبة من الخوف في صوته أفزعت الحيوان ، الذي لم يعتاد على حديث الرجل إليه بهذه الطريقة من قبل. وأحس الكلب بوجود شيء على غير ما يُرام ، وتحسست طبيعته المجبولة على الشك وجود خطر ما ، ورغم عدم علمه بطبيعة ذلك الخطر ، إلا أنة شعر بطريقة ما ، في مكان ما من دماغه ، بخوف من الرجل. فأسبل أذنيه ، وأخذت حركاتة القلقة تزداد وضوحا لكنه لم يتقدم خطوة واحدة تجاه الرجل الذي نهض على يديه وركبتيه وزحف نحو ة . وأثار هذا الوضع غير العادي ريبة الحيوان مرة أخرى ، فانسل بعيداً عنة .

وجلس الرجل في الثلج لحظة وناضل من أجل استعادة هدوئه. ثم ارتدى قفازيه ، بمساعدة أسنانه ، ونهض على قدميه. ونظر إلى أسفل في البداية ليتأكد من إنه كان واقفاً بالفعل ، لأن غياب الإحساس في قدميه جعله لا يشعر بأي صلة له بالأرض. وتبددت الريبة من ذهن الكلب عندما شاهد الرجل يقف منتصباً ؛ ويتحدث إليه بصوت حازم ، يرن فيه وقع السياط . استعاد الكلب ولائه المألوف وأقترب من الرجل الذي فقد سيطرته عندما أصبح الكلب في متناول يديه . وأدهشه إنه لم يكن قادراً على الإمساك بالكلب ، لأنة لم يكن قادراً على تحريك أصابعه ، التي عجزت عن الانحناء أو الإحساس بشيء . لقد نسى للحظة بأنها كانت متجمدة ، وبأن تجمدها كان يزيد بمرور الوقت . حدث كل شيء بسرعة ، وقبل أن يتمكن الحيوان من الإفلات ، طوقه بذراعية ، وجلس معه في الثلج ، والكلب يزمجر ويئن .

ولكن كل ما أمكنة القيام به ، هو احتضان الكلب بذراعية والجلوس هناك . لقد أدرك انه لا يستطيع إن يقتله . لم تكن ثمة وسيلة للقيام بذلك. لأن يديه العاجزتين لم تعودا قادرتين على سحب سكينة من غمدها أو الإمساك بها أو خنق الحيوان. فأطلق الكلب ، الذي اندفع بعنف بعيداً عنة، واضعاً ذيله بين ساقيه ، ومزمجراً بغضب . ثم توقف على مبعدة أربعون قدماً، وتطلع إلى الرجل بفضول ، ناصباً أذنيه بحدة إلى الأمام. نظر الرجل إلى يديه لتعيين موقعهما ، ووجدهما متدليتان في نهاية ذراعيه. وبدا له غريباً أن يستخدم المرء عينية من اجل معرفة أين تقع يداه. وبدأ يحرك ذراعية جيئة وذهابا ، ويضرب بيديه المحشورتين داخل القفاز على جانبية. فعل ذلك لمدة خمس دقائق ، بعنف ، وضخ قلبه ما يكفي من الدم إلى السطح لوضع حد لارتجاف جسده ، لكنه فشل في إثارة أي إحساس في يديه. وتولد لديه انطباع بانهماك كانتا معلقتين كالأثقال في نهاية ذراعيه ، ولكنة عندما حاول التغلب على ذلك الانطباع ، لم يجد له أثراً.


وانتابه خوف ثقيل وغامض من الموت. وازداد هذا الخوف حدة ، عندما أدرك إن المسألة لم تعد مجرد تجمد أصابعه، أو فقدان يديه وقدميه ، بل هي الآن مسألة حياة أو موت تقف فيها الأقدار ضده. وأسلمه هذا التفكير إلى حالة من الذعر ، فدار على عقبيه وشرع يركض على طول قاع الجدول ، فوق الدرب القديم ، المعتم . وتبعة الكلب راكضاً خلفه. أخذ يعدو كالأعمى ، دون وجهة ، وقد تملكه ذعر شديد لم يشهد له مثيلاً في حياته. وبدأ وهو يخوض غمار الثلج ، ويسقط متعثراً مرة تلو الأخرى ، يرى ببطء الأشياء المحيطة به ثانية - ضفاف الجدول ، أكداس الخشب القديمة ، وأشجار الحور العارية ، والسماء الرمادية . جعله الركض يشعر بشيء من التحسن . وزالت عنة الرجفة . وفكر لو أنة واصل الجري هكذا ، لذاب جليد قدميه ، ربما ؛ وقد يصل إلى المخيم ، لو ركض لمسافات أطول ، ويلتحق بالرفاق . سيفقد ، دون شك ، بعض من أصابع يديه وقدميه ، وبعض من وجهه ، ولكن الفتيان سيقومون بتطبيبه والاعتناء به، وإنقاذ ما تبقى منه عندما يصل إليهم . و همست له نفسه بفكرة أخرى مغايرة وهي بأنة لن يتمكن أبداً من الوصول إلى المخيم ولن يرى الرفاق ، الذين تفصله عنهم مسافة أميال عديدة . لقد كان تجمد قدميه كبيرا للغاية ، وسوف يتصلب جسده قريباً ويسقط ميتاً. دفع بهذه الفكرة إلى الفناء الخلفي لرأسه وتجاهلها. لكنها عادت إلى الواجهة ، وطالبته بالاستماع إليها ، فدفع بها بعيداً وأصر على التفكير في أمور أخرى.

واستغرب كيف يمكن له أن يركض على قدمين متجمدتين لم يكن يشعر بوجودهما وهما تطرقان الأرض بقوة ، وتحملان ثقل جسده . وشعر بأنة لم يكن يركض ، بل ينزلق على الأرض انزلاقا ، لعدم أحساسة بأي اتصال بين الأرض وبين قدميه. لقد شاهد مرة طائراً من نوع ميركوري يفعل ذلك ، وتساءل عما إذا كان يشعر بنفس شعوره الآن وهو ينزلق فوق الأرض.

كانت نظريته في الجري ووصول المخيم ولقاء الرفاق تحمل عيباً واحداً: وهو افتقاره إلى التحمل. تعثر عدة مرات ، وأخيرا بدأ يترنح ، وتكور جسده ، وسقط . وعندما حاول النهوض ، سقط ثانية. وقرر في دخيلته بأنة لا بد له من الجلوس والراحة ، ليتسنى له مواصلة المسير في المرة القادمة. وعندما جلس ليستعيد أنفاسه ، لاحظ انه كان يشعر تماماً بالدفء والراحة. لم يكن يرتجف ، وشعر بتيار من الدفء يسري في صدره وسائر أجزاء جسده. لكنة عندما لمس أنفه وخديه ، لم يشعر بوجود أي إحساس فيهما. إذن لم يجديه الركض نفعاً ، ولم ينفعه في إذابة الجليد من يديه وقدميه. ثم فكر إن الأجزاء المتجمدة من جسده قد أخذت تتمدد. وحاول أن يكبت هذه الفكرة ، حاول أن ينساها ، وأن يفكر بشيء آخر ؛ لأنها سببت له ذعراً شديداً ، لم يكن قادراً على تحمله . ولكن الفكرة أكدت نفسها ، واستمرت تدور في رأسه بعناد، ثم جعلته يتخيل نفسه وقد استحال إلى جثة هامدة جمدها الصقيع تماماً. لقد كان ذلك فوق ما يحتمل ، وشرع في جولة أخرى من الجري المسعور على الطريق. لكن جريه تباطأ حتى صار سيراً على الإقدام، لكن فكرة تجمد جثته أجبرته على الركض مرة أخرى.

طوال الوقت كان الكلب يركض خلفه تماماً. وعندما سقط على الأرض مرة ثانية ، كور الكلب ذيله حول قائمتيه الأماميتين ، وجلس قبالته وراح يعاينه بفضول وتمعن . أغاضة دفء الكلب وشعوره بالأمان ، وأخذ يكيل له اللعنات فسبل الحيوان أذنيه وتطلع إلية متوسلاً . وداهم الارتجاف الرجل هذه المرة بسرعة أكبر من السابق . لقد بدأ يخسر معركته مع الصقيع الذي كان يزحف على جسده من كل مكان . وضخت هذه الفكرة في جسده بشيء من النشاط ، وأندفع يجري ثانية ، لكنه ما كاد يتقدم أكثر من مائتي قدم فقط ، حتى خارت قواه مجدداً وهوى إلى الأرض . لقد كان ذلك ذعره الأخير. وعندما استعاد أنفاسه وسيطرته ، جلس منتصباً وقرر مواجهة الموت بكبرياء. لم يخطر له من قبل أنة سيموت بهذه الطريقة. لقد جعل من نفسه أضحوكة ، وهو يركض على هذا النحو مثل دجاجة مقطوعة الرأس . لقد أدرك أنة سيتجمد لا محالة ، لكن علية أن يستقبل ذلك على نحو لائق. وعندما أستسلم لهذه الفكرة الجديدة ، شعر بالسلام وترك جسده يستقبل أولى بشائر الخدر والنعاس . لقد بدت له فكرة جيدة ، أن ينام حتى الموت . إنها فكرة سالبة للإرادة. وشعر بأن التجمد ليس بهذا السوء الذي يظنه معظم الناس ، فثمة طرق للموت أسوأ منة بكثير .

وتخيل الرفاق يعثرون على جثته في اليوم التالي. وفجأة وجد نفسه بينهم ، سائراً معهم على الدرب وباحثاً عن نفسه. وبعد أن استدار معهم خلف عطفة من عطفات الطريق ، وجد نفسه يرقد في الثلج . لم يعد ينتمي إلى نفسه ، لأنه يقف الآن خارج أسوارها ، مع الرفاق ، وينظر معهم إلى نفسه ممداً في الثلج. من المؤكد إن الجو كان بارداً ، هكذا كان يفكر. وعندما سيعود إلى الولايات سيكون بوسعه أن يقول للناس كم كان الجو بارداً . وعادت به خواطره إلى العجوز الذي لاقاه في سلفر كريك . وقال له وهو يراه بوضوح تام ، يدخن غليونه في كرسيه المريح ، الدفيء.

"كنت على حق ، أيها العجوز ؛ كنت على حق ،"

ثم أحس الرجل الذي أستسلم للنعاس ، بأنة شرع يغرق في أعماق نوم جميل ومريح لم يشهد له مثيلاً في حياته. كان الكلب يجلس قبالته وينتظر. لقد انتهى ذلك النهار الوجيز وأسلم قيادة إلى شفق طويل وبطيء الحركة . وأحس الكلب بأن الرجل لن يشعل ناراً ، فضلاً عن ذلك ، لم يحدث للكلب قط أن شاهد رجلاً يجلس في الثلج على هذا النحو ، دون أن يقوم بإيقاد النار. ولكن بعد حلول الظلام ، زاد توق الكلب إلى النار حتى تمكن منة تماماً ، وأخذ يدور حول نفسه ويحرك أطرافة ويئن أنيناً خافتاً ، ثم أسبل أذنيه إلى أسفل متوقعاً أن يقوم الرجل بتعنيفه . لكن الرجل ظل صامتا. أنتظر الكلب قليلاً ثم أخذ ينتحب بصوت عال. وبعد ذلك تسلل قريباً من الرجل واشتم رائحة الموت. كانت الرائحة واضحة وقف لها شعر الكلب وجعلته يتراجع خائفاً. تلكأ الكلب قليلاً ، وأنطلق يعوي تحت النجوم التي بزغت وتراقصت وشعت أنوارها بقوة في السماء الباردة. ثم استدار وراح يخب على الدرب نحو المخيم الذي كان يعرف مكانة ، والذي يقطنه الآخرون الذين يقدمون الطعام ويعرفون كيف يوقدوا النيران .


ترجمة علي سالم
السويد


حفيدة عائشة
حفيدة عائشة
مشرفة
مشرفة
عدد الرسائل : 119
نقاط : 162

ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London Empty رد: ترجمة قصة To Build A Fire لـ Jack London

الأربعاء ديسمبر 21, 2016 8:28 pm

بارك الله لك
ونفع بك


استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى